الدين الذي في ذمة من هو قادر على الوفاء يزكى؛ لأنه بمنزلة الأمانة عنده، ويقدر صاحبه أن يأخذه ويتحصل عليه متى طلبه، وأما الدين الذي عند معسر أو مماطل ولو كان غنيا، فإن صاحبه لا يقدر على الحصول عليه، ولو طالبه قد يدعي الإعسار والفقر، فمثل هذا المال كالمعدوم، فلا زكاة عليه إلا إذا قبضه اشترط كثير من العلماء أن يكون التيمم بتراب له غبار يعلق باليد، ومنعوا التيمم بالرمل ونحوه مما لا غبار له، وألزموا المسافر أن يحمل معه التراب إذا سافر في أرض رملية، ولعل الصحيح جواز التيمم بالرمل؛ لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: "جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا" متفق عليه. إن أهمية الوقت معلومة عند كل عاقل؛ ذلك أن وقت الإنسان هو رأسماله، وهو عمره أيامه ولياليه، فإذا ما ضاع رأس المال، ضاعت الأرباح، وإذا عرف الإنسان ذلك، حرص على أن يستغلها ويستفيد منها وألا يضيعها، ليكون بذلك رابحا من كان مسافرا ولم يصل المغرب والعشاء فأدرك العشاء خلف إمام مقيم فالمختار أنه يصلي المغرب وحده، فإذا صلاها دخل معه في بقية العشاء، وذلك لاختلاف النية؛ فإن المغرب والعشاء متفاوتان بينهما فرق في عدد الركعات. هذا الذي نختاره. وأجاز بعض المشائخ أنه يدخل معهم بنية المغرب، فإذا صلوا ثلاثا فارقهم وتشهد لنفسه وسلم، ثم صلى العشاء، ولكل اجتهاده لا بأس أن يكتب المسلم اسمه في طرة المصحف (جانبه) مخافة اشتباه مصحفه بغيره، فقد لا يناسبه إلا مصحفه المخصص له، ولا بأس أن يكتب بعض الفوائد على الهوامش كتفسير كلمة أو سبب نزول أو ما أشبه ذلك.
تفاسير سور من القرآن
67195 مشاهدة
تفسير قوله تعالى: قَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ إِنَّا لَنَرَاكَ فِي سَفَاهَةٍ وَإِنَّا لَنَظُنُّكَ مِنَ الْكَاذِبِينَ

...............................................................................


وكان رد الكفار متشابها لتشابه قلوبهم في الكفر؛ كما قال تعالى: تَشَابَهَتْ قُلُوبُهُمْ ؛ فقوم نوح قالوا له: إِنَّا لَنَرَاكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ وقوم هود قالوا له: إِنَّا لَنَرَاكَ فِي سَفَاهَةٍ .
والسفاهة فعالة من السفه، وأصل السفه في لغة العرب هو الخفة والطيش؛ فكل شيء خفيف طائش تسميه العرب سفها. وتقول العرب: تسفهت الريح الريشة إذا استخفتها فطارت بها كل مطار. وهذا معنى معروف في كلام العرب، ومنه قول الشاعر:
مشينا كما اهتزت رماح تسفهـت
أعاليها مر الريـاح النواســـم
معنى تسفهت أعاليها؛ أي استخفتها فهزتها، هذا أصل معنى السفه في لغة العرب. وهو في الاصطلاح المشهور هي خفة العقل وطيش الحلم؛ بحيث يكون السفيه لا يهتدي إلى مصالحه، ولا يعرف مضاره من مصالحه، لا يميز بين الضار والنافع ولا الحسن ولا القبيح؛ لخفة عقله وطيشه وعدم رجحاته.
ولذا كان السفيه يجب التحجير عليه، وجعل ماله تحت يد ولي يحفظ له ماله؛ لأن عقله الطائش وحلمه الخفيف يجعله يضيع ماله. والعلماء مختلفون في السفه الذي يحجر به على الرجل البالغ ويولى عليه في ماله؛ فكان مالك بن أنس رحمه الله وعامة أصحابه، ومن وافقه من العلماء -يرون أن السفه الذي يحجر به على السفيه في ماله، ويولى عليه غيره إنما هو السفه في خصوص المال؛ بحيث يكون طيش عقله وخفة حلمه في نفس التصرف المالي؛ بحيث يضيع عليه في المعاملات، ولا يحسن حفظه ولا التصرف فيه.
فمن كان عند مالك يحسن التصرف في المال ويحفظه، ولا يخدع بل هو عارف بوجوه التصرفات، وحفظ المال؛ فماله يدفع إليه عند مالك وأصحابه، ولا يسمى سفيها، ولو كان سكيرا شريبا للخمر مرتكبا للمعاصي.
وشارب الخمر إذا مـا زمـــرا
لما يلي مـن مالـه لـم يحجــرا
هذا مذهب مالك وأصحابه.
وذهب الشافعي في جماعة من العلماء إلى أن من كان يتعاطى المعاصي كالشريب السكير الذي يشرب الخمر ويتعاطى المعاصي -أنه سفيه لا يمكن من ماله أبدا حتى تصلح حاله الدينية مع حاله الدنيوية، قال: لأنه لا أحد أخف حلما وأطيش عقلا من الذي يتسبب في أن يحرق نفسه بالنار، فهذا خفيف العلم طائش العقل لا يعطى له ماله فهو السفيه بمعنى الكلمة. ترى هذا كلاما معروفا في فروع المذاهب مشهورا.
ولذا نسب قوم هود هودا إلى خفة العقل وطيشه قالوا: إِنَّا لَنَرَاكَ فِي سَفَاهَةٍ ؛ أي في خفة عقل وطيش حلم، لأنك تدعونا إلى أن نترك ديننا ونذهب إلى دين آخر جديد ما نعرفه؛ فلا عقل عندك ولا حلم، بل أنت سفيه خفيف العقل طائش الحلم، هذا قولهم، لعنهم الله.
وَإِنَّا لَنَظُنُّكَ مِنَ الْكَاذِبِينَ .
نظنك كاذبا، لأنك بشر مثلنا فلا زيادة لك علينا، ولا فضل لك علينا؛ لأنا من عنصر واحد، آدميون جميعا، نشرب ونأكل جميعا؛ فما نظنك إلا كاذبا، وأنك سفيه خفيف العقل طائشه.